هل من الممكن أن يصاب المؤمن بالأمراض الجسدية؟وهل هذا دليل على ضعف الأيمان؟ وهل يفضل ذهابه للطبيب ؟في البداية يجب أن نعلم أنه يوجد كثير من الأفكار التي تظهر في بادئها أنها صحيحة .. لكن عند فحصها بالتدقيق نجدها غير صحيحة بل يتعرض من يثق فيها إلى متاعب لا حصر لها بل وتصيب بهواجس ومتاعب نفسية.
أفكار مغلوطة .. ومن ضمن هذه الأفكار قالوا:
(إن فعل الخطية هو السبب الرئيسي والوحيد لكل الأمراض) ..
بمعنى أن أفكار من يصاب بأي مرض فهو قد عمل شراً وهذا قصاصه، وفاتهم أن الأشرار يملأون الأرض ويتمتعون بصحتهم حتى إن آساف النبي غار منهم فقال " لأني غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار لأنه ليس في موتهم شدائد وجسمهم سمين ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون "
المؤمن لا يمكن أن يصاب بأي مرض لأن الرب إمتلكه نفساً وروحاً وجسداً، وهو كفيل أن يحفظه، والرب صار ضامنه .. وهذا بالطبع فكر غير صحيح.
إن كل مرض يصيب الإنسان هو نتيجة لعنة من اللعنات الوارد ذكرها في سفر التثنية الإصحاح الثامن والعشرين والتي تكلم بها الرب، وهذا نتيجة شر في الحياة وعدم طاعة للرب .. وهذا أيضاً فكر خاطئ.
نخطئ إذا استعملنا الأدوية، بل استعمالها شر، لأن هذا يعلن عدم ثقتنا في الرب وفي وعده القائل " أنا الرب شافيك ".
ومن وراء هذه الفكرة المغلوطة كثرت الأسئلة مثل: لماذا لا أُشفى بالإيمان؟ وهل الرب لا يستطيع أن يشفيني حتى أذهب للدكتور؟ .. وغيرها من الأفكار والأقوال التي تتردد على ألسنة الكثيرين وخاصةَ في هذا العصر.
ونجيب ونقول: إننا نؤمن بالشفاء الإلهي، بل ونؤمن أن كل شفاء هو شفاء إلهي، فقد يتدخل الرب بصورة مباشرة دون تدخل الطبيب عن طريق الصلاة "فصلاة الإيمان تشفي المريض".
وقد يتدخل الرب بصورة غير مباشرة من خلال الأطباء والأدوية، ونرى هذا واضحاً في كلمة الله. فلقد أوصى أشعياء النبي من جهة الملك حزقيا عندما كان مريضاً بالقول "ليأخدوا قرص تين ويضمدوه على الدبل فيبرأ".
ولقد أوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس الذي كان يعاني من أمراض كثيرة بالقول " لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة ".
ولا تنسى قول الرب يسوع "لايحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى".
+ إذا أصيب أكثر من واحد في عائلة واحد بنفس المرض فهذا يعني أن لعنة الناموس قد دخلت بهذا البيت مستندين على ما جاء في سفر التثنية الإصحاح الثامن والعشرين، والشفاء من هذه اللعنة يتطلب صلوات وتذللاً وبكاء حتى يتنازل الرب ويرفع هذه اللعنة عن هذا البيت، وقد فاتهم أن الرب يسوع بموته على الصليب قد رفع لعنة الناموس تماماً .. يقول الروح القدس " المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح".
وإذا قلنا أن لعنة الناموس يمكن أن تحل على كل من لا يعيش الناموس ان فهذا إلغاء لتجسد ربنا يسوع المسيح وموته على الصليب وقيامته .. ومن يرضى بهذا ؟!
كل تعب نفسي أو مرض نفسي ضربة من الشيطان أو سحر أو عمل شرير حتى أنهم ظنوا أن هؤلاء المرضى نفسياً أو عصبياً أو عقلياً بهم أرواح نجسة .. الأمر الذي زاد من متاعب الناس وتعاستهم أكثر.
والكثيرين يسألون لماذا نصاب بالأمراض ؟ ولماذا يسمح الرب لنا بذلك؟
ما أكثر الأمراض التي تصيب البشرية والتي تزايدت عبر القرون والسنين وخاصة في عصرنا هذا الذي كثرت فيه الأمراض التي يطلق عليها أمراضاً مستعصية (رغم التقدم في العلوم الطبية) مثل الإيدز والسرطان والفشل الكلوي، والسارس (الإلتهاب الرئوي الحاد)، وغيرها من الأمراض ...
لا يوجد مرض واحد بدون سبب بل لكل مرض سبب وربما أسباب .. وسنتخذ أساس حديثنا من الكتاب المقدس .. كلمة الله التي هي النور الذي ينير لنا ويضئ أذهاننا لنعرف أسباب المرض، وأرجو أن نلاحظ أنه ليس من الصواب أن تمسك بأحد الأسباب دون اخر ونجعله السبب الرئيسي للمرض.
أولاً: الخطية: الله لم يخلق الإنسان للمرض والتعب والألم والموت، ولم يخلق المرض والتعب والموت للإنسان لكن بسبب سقوط الإنسان الأول آدم في الخطية بمخالفته لوصية الله التي أوصاه بها. ولكونه رأس الخليقة المنظورة .. انفصل ومعه الخليقة عن الله مصدر حياته وسعادته وسروره وراحته، وصار مستعبداً للشيطان الذي صار رئيس هذا العالم .. وهكذا دخلت الخطية إلى العالم التي تسببت في فساد كل شئ، وبالتالي دخل المرض والموت، ولذلك في الإصحاح الخامس من سفر التكوين نقرأ عن آدم ونسله، ويذكر كل واحد منهم أنه عاش ومات.
لقد أصبح كل البشر عرضة للإصابة بالمرض في عالم أفسدته الخطية .. إننا لا نجد إنساناً واحداً يحيا على هذه الأرض أو عاش عليها إلا وقد تعرض لأمراض كثيرة وليس لمرض واحد.
إن الخطية هي أساس دخول المرض والتعب والشقاء لكل البشرية .. لكن تليها أسباب أخرى كثيرة ..
ثانياً العصيان وعدم طاعة الله..
قال الرب بني إسرائيل "إن لم تسمع لصوت الرب إلهك .. يضربك الرب بالسُل والحكي والبرد والالتهاب والجفاف واللفح والذبول .. يضربك الرب بجنون وعمى وحيرة قلب".
لكن ما يجب أن نلاحظه أنه ليست هذه قاعدة عامة نراها في جميع الأحوال بمعنى أن ليس من الضروري أن يصاب كل خاطئ بأحد هذه الأمراض السابق ذكرها. فنحن نرى في المجتمعات حولنا كم من الفجار والخطاة الذين تحدوا الله وعملوا ما لا يليق ضده، لكنهم يتمتعون بالصحة أفضل من مؤمنين أتقياء يحبون الرب.
قال آساف عن هؤلاء الأشرار "ليسوا في تعب الناس ومع البشر لا يصابون" ومن كلمة الله نفهم أن الله يهتم بجميع خليقته، فهو "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين"، "هو منعم على غير الشاكرين والأشرار" ..
وعلى هذا فالإصابة بالمرض هي إحدى وسائل الله للتعامل مع الإنسان للعقاب أو التأديب.
ثالثاً: سيادة الشيطان على العالم
لقد نُزعت السلطة من الإنسان بعد سقوطه في الخطية، وصارت ممالك العالم لإبليس..
إبليس عدو الله ومدمر كل ما هو حسن، والذي لم يكتف بنشر الفساد على الأرض وتحول الناس عن الله مصدر حياتهم وراحتهم وسعادتهم .. بل امتلك أجساد بعض الناس وأصابها بالمرض مثل المرأة المنحنية التي ربطها ثمانية عشر سنة، ولم تقدر أن تنتصب البتة، والتي قال الرب يسوع عنها إن الشيطان ربطها تلك الفترة .. كذلك الأخرس الذي عندما أخرج الرب الشيطان منه تكلم، والغلام الذي قدمة أبوه للرب يسوع " فلما أخرج الشيطان منه شُفي في الحال".
ومجنون كورة الجدريين الذي صار عاقلاً ولابساً وجالساً عند قدمي يسوع بعد أن حرره الرب يسوع وأخرج منه لجئون. وهذه الأمراض التي تسببها الأرواح الشريرة لا يقدر الطب أن يتداخل فيها أو يقدم علاجاً لها، ويجب أن نعلم أن الشيطان لا يقدر أن يفعل شيئاً إلا بتصريح من الله كما حدث في تجربة أيوب المعروفة والمشهورة في سفره والواردة ذكرها في الإصحاحين الأول والثاني. ولا يغيب عنا هذا الحق الواضح.
إن الشيطان لا سلطان له إطلاقاَ على المومن لأن المسيح امتلكه روحاً ونفساً وجسداً فهم ليس ملكاً لنفسه بل الله.
ويجب أن نعرف أنه ليس كل مرض عقلي أو نفسي هو عمل شيطاني لأن الجهاز العصبي مثله مثل باقي أجهزة الجسد عرضة للإصابة بالمرض.
نحن نعيش في عالم متقلب تحدث فيه تغيرات يومياً فالأحوال الجوية مثلاً تتحول من حار وبارد إلى معتدل. والأجواء ملوثة في أغلب الأماكن ومملوءة بمسببات المرض مثل البكتيريا والفيروسات والطفيليات والفطريات وغيرها.
فبدون الحيطة والإهتمام نكون عرضة للإصابة بأي مرض. ومن جانب آخر التغيرات التي تحدث مع الإنسان نفسه مع الزمن، فلا يمكن أن يحيا الإنسان طوال حياته طفلاً أو شاباً، لكن لابد مع مرور الأيام أن يصل الشخص إلأى سن الشيخوخة، التي تهجم عليه بالمتاعب والأمراض التي تسمى أمراض الشيخوخة.
خذ مثلاً لذلك: قيل عن اسحق "لما شاخ اسحق وكلت عيناه عن النظر .." وقيل عن داود الملك "وشاخ الملك داود، تقدم في الأيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ" وغيرها.
مثل الإدمان والكحوليات. وكذلك من يتعرضون لضربة الشمس مثل ابن الشونمية. وآخرون يتعرضون لحوادث مثل تصادم السيارات، أو سقوط من مكان مرتفع مثل أفتيخوس الذي كان متثقلاً بنوم عميق فسقط من الطابق الثالث وحُمل ميتاً.
سادساً: أحياناً كثيرة يسمح الرب بالمرض لحفظ المؤمن من الكبرياء والتشامخ
مثل ما حدث من الرسول بولس الذي سمح له الرب بشوكة في الجسد، لذلك يقول "لئلا أرتفع من فرط الإعلانات أُعطيت شوكة في الجسد، ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع". ولقد كرر القول " لئلا أرتفع" مرتين لأنه أدرك الغرض من هذه الشوكة الواقية له. ولقد عنها لمؤمني غلاطية "وتجربتي التي في جسدي".
سابعاً: يسمح الرب أحياناً بالمرض كواحد من وسائل التأديب
عندما تكلمت مريم وهارون بالسوء على موسى عبد الرب، يقول الروح القدس "حمى غضب الرب عليها، فالتفت هارون إلى مريم وإذ هي برصاء" .
ويول الرسول بولس للمؤمنين في مدينة كورنثوس " من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون لأننا لو حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نُؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم".
وهذا الأمر قد يشمل المؤمن كتأديب من الرب أو غير المؤمن كعقاب من الله كما حدث في بيت فرعون كما هو معلن في كلمة الله في سفر التكوين "فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراي امرأة ابرآم".
ثامناً: قد يسمح الرب بالمرض بغرض إعلان مجده
مثل لعازر الذي من قرية بيت عنيا عندما أرسلت الأختان مرثا ومريم للرب يسوع قائلين "يا سيد هوذا الذي تحبه مريض" .. قال الرب يسوع عن مرضه " هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله فيه".
والمولود أعمى عندما قال التلاميذ للرب يسوع من أخطأ هذا أم أبواه؟ حتى ولد أعمى؟
أجاب "لا هذا ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه" .. وكانت معجزة تفتيح عينيه سبباً في إيمانه بالرب يسوع والسجود له.
في هذا العصر ما أكثر التيارات الدينية التي تنفي تماماً إمكانية إصابة المؤمن بالمرض، وهذا الفكر يسبب قلقاً لكثيرين تاهوا وسط هذه الضلالات قائلين أين الحقيقة؟ وفاتهم أننا كبشر مؤمنين كنا أو غير مؤمنين خاضعين للأسباب السابق ذكرها والمسببة للمرض.
كما أنهم تجاهلوا أبطالاً في الإيمان أُصيبوا بالأمراض مثل:
أليشع: " ومرض أليشع مرضه الذي مات به". فهل كان مرضه مرتبط بخطأ قد فعله؟ إننا لا نجد في الكتاب ما يدل على ذلك.
تيموثاوس: " الذي قال عنه الرسول بولس " الصريح في الإيمان" يكتب الرسول بولس له وصية طبيب، ربما أوصى بها لوقا الطبيب أحد رفقاء بولس في الخدمة يقول فيها "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" .. لاحظ القول "أسقامك الكثيرة" ليس مرضاً بل أمراض.
أبفرودتس: الذي كانت له أوصاف روحية نادرة في كنيسة فيلبي. يقول الرسول بولس عنه " أنه مرض قريباً من الموت، لكن الله رحمه (أي شفاه)".
تروفيمس: الرسول بولس مع أن الله استخدمه في معجزات الشفاء الكثيرة، لكنه كتب بنفسه قائلاً "وأما تروفيمس فتركته في ميليتس مريضاً".
الرسول بولس نفسه: كانت شوكة في الجسد عانى منها كل أيام حياته